لمسة وفـاء لروح العندليب الأسمر عبد الحليم حافـظ في الذكرى الثلاثين لرحيـله
في لمسة وفاء خاصة أفردت إذاعة طنجة ضمن برنامج "ذكريات عبرت" الذي يعده ويقدمه الزميل حميد النقراشي حلقة لاستحضار المسار الحياتي والفني للعندليب الأسمر عبد الحليم حافظ بمناسبة مرور ثلاثة عقود على رحيلــه.
وعبر مساحة زمنية امتدت من منتصف الليل إلى الثانية صباحـا، ليلة الخميس صبيحة الجمعـة 29/30 مارس استضاف هذا البرنامج المباشر ثلة من المبدعـين والمثقفـين والنقاد المغاربة والعرب الذين تحدثوا من خلال رجع صدى عن ذكرياتهم مع نغم النيل الخالد، الذي غيبه الموت في الثلاثين من مارس 1977 بعد رحلة اتسمت بالعطاء والشهرة، والمرض والألم، والانغماس في الرومانسية والوطنية في آن واحـد.
كما تم خلال هذا السمر الفني إدراج أعمال غنائية نادرة للعندليب الأسمر ستذاع لأول مرة على أثير إذاعــة طنجــة.
عبد الحليم حافظ بدأ حياته بأغنية وختمها بأغنية.. وما بين البداية والنهاية مشوار طويل، كل أغنية فيه هي لمحة من حياة العندليب الأسمر، بل هي نبضه و أفراحه وأقراحه، فحينما رأى نور الحياة عام 1929 بقرية الحلوات تجرع كأس اليتم منزعة.. توفيت والدته لحظة مولده ولحق بها والده بعد أيام قليلة ليعيش حليم متنقلا بين أحد ملاجئ الأيتام وبيت خاله، ليواجه متاعب كثيرة في بدايات كادت تعصف بأحلامه وآماله، خاصة عند معانقته لفضاء الفن والغناء.. ففي أولى الخطوات مارس العزف على آلة الأبوا، لكنه لم يستمر في العزف فتحول إلى مغني حيث أدى أول لحن في حياته "لقاء" للشاعر صلاح عبد الصبور والملحن كمال الطويل.. وعند أول إطلالة له على المسرح تلقى صفعة قوية من الجمهور الذي لم يتقبل أغنية "لقاء" إذ طالبه بتقليد محمد عبد الوهاب في إحدى أغانيه الشهيرة، لكن عبد الحليم رفض ذلك، مفضلا أن ينطلق اعتمادا على قدراتـه وإمكاناتـه.
واستطاع بمناسبة مرور العام الأول على قيام ثورة يوليوز 1952 بمصر أن يكسر حاجز النحس، الذي لازمه ويتألق بشكل لافت في مسرح حديقة الحرية أمام كبار مطربي ومطربات تلك الفترة عبر أغنية "صافيني مرة" لمحمد الموجي. وإثر تلك الانطلاقة الموفقة اتضح للجميع، أن عبد الحليم حافظ ورفاقه كما الطويل ومحمد الموجي وعلي اسماعيل ومنير مراد وبليغ حمدي يخططون لنقلة نوعية في الأغنية المصرية في مضمار خلق تيار غنائي جديد ومغاير. وبكل المقاييس نجحت هذه الكوكبة بمعية صوت عبد الحليم في إحداث ثورة في الأغنية العربية.. مع هؤلاء الملحنين ومع الموسيقار محمد عبد الوهاب قدم العندليب فنه الراقي، غنى للحب فسما به، وغنى للوطن فعبأت أغانيه المشاعر القومية.. حينما غنى "أهواك" رسم صورة عن الحب الحالم، وحينما أدى "في يوم في شهر في سنة" أذاق عشاق فنه مرارة الحب المحبط وعذاب الفراق، وهكـذا...
ما ميز عبد الحليم حافظ أنه كان حريصا بدقة على انتقاء المعنى قبل الكلمة، إلى جانب منحه الأولوية لسلامة الأداء، ولعل سر نجاحه وخلود أغانيه حتى بعد رحيله بثلاثين عاما يعود إلى تفوقه في أسلوب الأداء السهل الممتع وإحساسه العميق وصدقه الفني.. وهو ما عبر عنه الشاعر الراحل كامل الشناوي بالقول:"لا أستطيع إلا أن أصدق عبد الحليم عندما يغـني".
حياة قصيرة عاشها بين النجومية والتألق وبين العذاب والألم الذي رافقه منذ ولادته وحتى رحيله الدرامي في مارس 1977.
كان لا بد للجراح أن تهدأ في يوم من الأيام.. كان لا بد لمشوار العذاب من نهاية.. وفي إحدى لحظات العمر كان لا بد أن يتوقف العمر.. مهما طال أمد الجراح، كان لا بد أن تهدأ الجراح وتنام.. تنام إلى ما لا نهايــة...