إذاعة طنجة تستحضر نهر الفن الخالد محمد عبد الوهاب في الذكرى السادسة عشرة لرحيله
خصص برنامج "نبرات من النغم العربي" الذي يعده ويقدمه الزميل حميد النقراشي من إذاعة طنجة حلقة ليلة السبت 12 ماي الجاري صبيحة الأحد 13 منه، للذكرى السادسة عشرة لرحيل موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب تحت " شعار: "محمد عبد الوهاب" السيمفونية التامة، ثمانون عاما من محراب الفن".
ولعل استحضار ذكرى هذا الهرم الموسيقي الشامخ بمثابة استعادة لظاهرة طبعت الموسيقى العربية ببصمات شديدة الخصوصية منذ أوائل القرن العشرين، حيث أن الموسيقار محمد عبد الوهاب شيد موسيقاه وفق بناء علمي ضاربا عرض الحائط بكل التهويل الذي كانت تحظى به الموسيقى التي اعتمدت على التناقل الشفاهي والارتجال.
لقد جاء محمد عبد الوهاب من الحارة فاعتلى أسمق قمة، وحلق في أسمى أفق صوتا نقيا وشجيا، تربى في عصر كان الحلم فيه أجمل.. قال البعض إنه ولد قي عام 1902، وذكر البعض الآخر أنه من مواليد 1905، أما هو فكان يشير إلى أنه رأى نور الحياة عام 1910 وأن ما ذكرته بعض الكتب سواء تلك التي أرخت لميلاده سنة 1902 أو 1905 لا تعدو أن تكون ناتجة عن أخطاء مطبعية.. والصحيح أن عبد الوهاب نشأ في ربى المنصورة، وهي أرض طيبة أنبتت الحب والحنان، والشعر والجمال، والفن والخيال، ظهرت أولى إرهاصاته الفنية في وسطه العائلي الذي كان متسما بمبادئ الدين والتعبد.
وفي حي باب الشعرية الذي كان يقطنه رفقة أسرته المحافظة كانت تتعالى أصوات المؤذنين في شرفات المآذن الدائرية وتتصل لتتعانق أحيانا مع صوت الكنيسة القائمة في ركن من أركان الحي، وهناك كان يمتزج الماضي بالحاضر.
وعبر تلك الأجواء تلقى محمد عبد الوهاب الطفل أول درس في البوليفونية /تعدد الأصوات/، فالصوت هو المادة الأساسية التي تفتحت عليها حواسه، وطقوس الحي والأصوات الغير متناهية كان يعرف مصدرها جيدا لدرجة أنها غدت جزء لا يتجزأ منه، بالإضافة إلى حلقات الذكر الصوفية التي استفاد منها من خلال محيطه العائلي.
وإذا كان محمد عبد الوهاب قد تابع في بداية مساره من سبقوه في فنون الغناء التقليدي، فإنه سيتدرج بالأغنية من شكلها البدائي البسيط وأدائها الزخرفي ليصل بها إلى الشكل الحضاري والعلمي لكن مع الحفاظ على الروح العربية.
وقد بدأ مسلسل تطوير الغناء مع "يا جارة الوادي" و "كلنا نحن القمر" و "خايف اقول"، والى ذلك اعتبر محمد عبد الوهاب جسرا بين الموسيقى الكلاسيكية التي استوعبها جيدا والموسيقى العربية.. وثمة في أغانيه بعض الاقتباسات الحرفية لموسيقيين عظام كفردي في "أوبرا عايدة" وتبرز في أغنية "كان عهدي عهدك في الهوى"، أو "أوبرا ريكوليتو" في أغنية "يا اللي نويت تشغلني"، وهو بذلك أضاف ترصيعا جميلا في نسيج الموسيقى العربية التي ساهم في تطويرها لما يقارب الثمانين عاما.
ومن خلال برنامج "نبرات من النغم العربي" كشف عشاق موسيقار الأجيال، أو على الأصح أعادوا اكتشاف موسيقى وأغنيات محمد عبد الوهاب التي في معظمها "مفتوحة الصيغة" و "متحررة من القوالب النمطية".