2024 الجمعة 29 مارس 
 
radio tanger _ maroc
موقع الشركة الوطنية للإذاعة و التلفزة
ركن المتغيبين

عبد الإله الحليمي يتحدث لـ Daba.TV

عبد الإله الحليمي يتحدث لـ %100 شباب

محمد بنطيب يتحدث عن زملائه بالإذاعة

إذاعة طنجة شابة و ستبقى شابة

كريمة أبطال
صور غنية عن التعليق
صور غنية عن التعليق
صور غنية عن التعليق
صور غنية عن التعليق
            

طفولة في مهب الرياح


تحقيق من إنجاز لحبيب السليماني و خالد اشطيبات

تصدمك شوارع مدينة طنجة و أنت تعاين خلال تجوالك بها عددا من الأطفال في أسمال بالية وسخة ، حفاة ، يمدون أيديهم للمارة يرددون " خويا ...الشريف ..الشريف . دبر على خوك راه دار به الزمان . الله يرحم والديك دبر عليا ...شي صدقة الله يرحم الوالدين ........" وصيغ لا حصر لها من خطاب التوسل و الإستجداء : كلمات اعتادت ساكنة مدينة طنجة على سماعها بشوارع المدينة ، خاصة قرب المطاعم ، والمقاهي ، وعلى مفترقات الطرق ، والإشارات الضوئية.

 


يقدمون أنفسهم دون أن تسأل : محرومون من التعليم ، محرومون من دفء الأسرة و عطف الأبوين ، محرومون من العطف الإنساني ، محرومون من احترام المجتمع ، محرومون من الصحة ، محرومون من.... محرومون من ....

أطفال في عمر الزهور لا حول لهم ولا قوة ، يستنشقون مادة " السيليسيون " (مادة لزجة لصقة تستخدم لإصلاح إطار العجلات ) يجوبون مختلف أرجاء المدينة ليلا و نهارا ، يتسولون أو ينشلون ، تارة فرادى وتارة جماعات ، البعض الآخر رمت به "الحكرة" إلى أبواب المطاعم يستجدي الناس أعطوه أو منعوه . استجداء لا يصل إلى الأذان الصم و البطون المنتفخة الشبعانة ، فلا يقابلون في أغلب الأحيان إلا بالقهر والشتم ، يتطوران في كثير من الأوقات إلى مطاردات بين الأزقة لا تخلو من ضرب ولكمات .
يقدمون أنفسهم دون أن تسأل : محرومون من التعليم ، محرومون من دفء الأسرة و عطف الأبوين ، محرومون من العطف الإنساني ، محرومون من احترام المجتمع ، محرومون من الصحة ، محرومون من.... محرومون من ....إلخ.

 

إنه كابوس مزعج تعيشه هذه الفئة المحرومة التي لفظها المجتمع على صغر سنها ، كابوس يتجاوز هدوء الليل وقسوته عليهم ، ليستمر اليوم كله والشهر و السنة كلها ، وربما لعدة سنين لتصبح هذه الفئة شريحة غير مرغوب فيها داخل المجتمع ووجب التخلص منها.
حال وواقع تعاينه و أنت تجوب شوارع مدينة طنجة ، خصوصا في فصل الصيف حيث ينتشرون في ميناء ذات البحرين ، بحثا عن أية فرصة للعبور نحو أرض الأحلام ، علهم يحصلون على أوراق الإقامة لتحسين وضعهم الاجتماعي ، وقد تجدهم في ساحة 9 ابريل التاريخية يتسولون ، وفي المنازل المهجورة أو الشاحنات المعطوبة يمارسون الجنس و يغتصبون ، أو يتعاطون المخدرات .
إنه حال مؤلم يفرض عليك فرضا كثيرا من التساؤلات :
كيف وصل هؤلاء الأطفال إلى الشارع ؟ من المسؤول عن أوضاعهم المزرية ؟ ما مصيرهم ؟ و ما دور المجتمع المدني للحد من هذه الظاهرة ؟

بوح طفولة ضائعة

أظهرت الإحصائيات العالمية أن هناك ما بين 100 و 150 مليون طفل يهيمون في الشوارع ، منها ما بين 7 إلى 10 مليون طفل عربي حسب إحصائيات المجلس العربي للطفولة و التنمية ؛ أما في المغرب فقد برزت ظاهرة الأطفال المشردين بوضوح خلال العقدين الأخيرين ، خاصة في المدن الكبرى والمتوسطة سيما في مدينتي الدار البيضاء و طنجة . و بالرغم من عدم توفر إحصائيات دقيقة حول تطور هذه الظاهرة ، فإن التقديرات المتوفرة تعكس مدى التزايد المضطرد الذي تعرفه و الأخطار المحدقة بمستقبل هؤلاء الأطفال المعرضين لشتى أنواع الانحراف والاستغلال .


" نحن أمام ظاهرة معقدة يختلط فيها الوضع الأسري و الاقتصادي و الثقافي ، و المستوى التعليمي للأبوين "

أطفال في عمر الزهور يفترشون الأرض و يلتحفون السماء ، كل واحد منهم يخفي وراءه حكاية.... كشفوا عن رحلة التشرد ، التي بدأت بالهروب من البيت لتنتهي بالجوع و العطش و العراء والبحث عن فتات الطعام في صناديق النفايات ، ثم السقوط في أيدي شبكات الدعارة و الانحراف و التسول و الهجرة نحو جنات عدن لتتكسر أحلامهم على صخر الواقع .
التقيناهم ، تحدثوا إلينا بكل جرأة عن همومهم و معاناتهم ، و كشفوا لنا عن رحلة التشرد ....

 

كريمة أبطال
   
 

            

يحكــي محسن البالغ من العمر ثمان سنوات :
" أعيش ظروفا ، توفيت أمي و أبي يتعاطى المخدرات، وتركت المدرسة .... لأبدأ حياتي في الشارع بدل النكد في البيت، أتجول في الشوارع، وفي بعض الأحيان أعود للبيت لأخرج من جديد.... أعيش ظروف مزرية و قاسية في الشارع ، أتسكع، الأقوياء يستغلوننا كيفما شاؤوا، نعمل بدون اجر، يسلبون منا الأموال التي نحصل عليها ، و الشرطة تطاردنا...... أنام في سيارة معطوبة، أما الأكل فغالبا ما أبقى جائعا....."

   
       
   

كريمة أبطال
   
   

كريمة أبطال
            
قصة فؤاد البالغ من العمر عشر سنوات لا تختلف كثيرا عن محسن . يقول فؤاد :
" لدي مشاكل في البيت، أبي يعنف أمي، ولا أريد أن أكون شاهدا، ولا أتحمل إهانة أبي لأمي ، خرجت للشارع ... ليس لدي مكان محدد أنام فيه ، في الصباح ابحث عن لقمة العيش ، مرة أتعرض للضرب من طرف الأقوياء بغض النظر عن سنهم ، نحن في مطاردة يومية و دائمة مع رجال الأمن ، لكن غالبا ما اختبئ حتى تمر دوريتهم".
نفس الشيء بالنسبة لمحمد سبع سنوات :
يحكي بأن أمه دائما في مشادات كلامية مع أبيه ، لأنها لا تخبره عن التجاوزات التي يقوم بها طوال النهار، و" أخاف كثيرا من أبي لأنه قاس جدا و لذلك هربت من المنزل ".
   
         
   
   

مــاهـــي الظروف المحيطـة بخروج الأطفال للشـارع:

ترجع الدكتورة زينب معادي أخصائية اجتماعية أسباب هذه الظاهرة عموما إلى التفكك الأسري ، متمثلة في العلاقة المتوترة بين الزوجين : حالات الطلاق ، تعاطي أحد الأبوين للمخدرات ، التمييز بين الأبناء ، و ضعف الرقابة الأسرية ، هذا بالإضافة إلى الفقر و ضعف اليد ، ونمو وانتشار الأحياء الهامشية التي تشكل بؤرا مفرزة و مستقبلة للأطفال المشردين ، دون أن ننسى الهدر المدرسي ، إذ معظم أطفال الشوارع لم يكملوا دراستهم نتيجة عدم الرعاية الأسرية ، فيضعف مستواهم التعليمي وبالتالي يفضلون الهرب من المدرسة ليلتقوا بأقرانهم فى رحاب الشارع .
" أسباب أخرى مفرزة لهذه الظاهرة ترتبط بميول هؤلاء الأطفال إلى التحرر والهروب من سلطة وضغوط الأسرة ، التي يفتقد فيها الطفل الشعور بالانتماء ويفقد خيوط التواصل ومن ثم يعجز عن التأقلم معها ، خاصة في حالة انحراف أحد الأبوين أو كلاهما ، ليبقى الشارع هو الملاذ الأخير له ؛ لكن إجمالا يبقى الفقر المدقع و تدني مستوى الدخل للأسر المغربية أهم أسباب هذه الظاهرة " .
" نحن أمام ظاهرة معقدة ؛ تقول الدكتورة زينب معادي ؛ يختلط فيها الوضع الأسري و الاقتصادي و الثقافي ، و المستوى التعليمي للأبوين ".


عندما نتحدث عن ظاهرة أطفال الشوارع لابد أن نبسط أمامنا إشكالية التنشئة الاجتماعية من حيث هي مكون العملية التي يتم من خلالها تشكيل وعي الفرد و مشاعره و سلوكه

وعــلاج هذه الظاهرة ، حسب الأخصائية الاجتماعية ، لا يمكن أن يكون عبر قناة واحدة ، بل عبر عدة قنوات ، مؤكدة أن هذه الظاهرة مؤلمة و متشعبة، وتتطلب استراتيجية ذات رؤية طويلة المدى و متضمنة تحديداً واضحا لأدوار ومسؤوليات مختلف الأطراف المرتبطة بالظاهرة ( الأسرة - الطفل - المجتمع المدني - السلطات المحلية ) على أساس التعامل مع الظاهرة من منظور اجتماعي إصلاحي وديني وليس من منظور أمني و عقابي ، ذاك أن الطفل يتهرب من العنف الأسري ليصطدم بعنف آخـــر - عنف الشارع - ، حيث تمارس عليه مجموعة من الاعتداءات المشينة ، ويكون عرضة للاستغلال الجنسي وتعاطي المخدرات....؛ هي وصمة عار على جبين الإنسانية ، تضيف الدكتورة زينب معادي ، يجب تظافر الجهود لتجاوزهــا ، و التفكير في تغيير وضعية و صورة الطفل المشرد لأنه في الأخير ضحية المجتمع ، و في المقابل نحن ( مؤسسات رسمية ، مجتمع مدني ، أسرة ) مسؤولون و مدعوون لمد يد العون لهؤلاء الأطفال لإخراجهم من براثين هذا الوسط المتعفن.

تداعيات هذه الظاهرة على نسيج المجتمع

إن خروج الطفل في سن مبكرة إلى عالم الشارع بما يحويه من تناقضات جمة و مخاطر تهدد كيانه ، لا يخلو من نتائج سلبية لها تأثير خطير عليه في حد ذاته . فمعظم أطفال الشوارع يعانون من الناحية الصحية من أمراض خطيرة تتمثل في الأمراض الجلدية : الجرب ، و الأمراض المرتبطة بالجهاز التنفسي : السعال الدائم وتقيحات الجروح .... إلخ . أما أخطر ما يتعرض له أطفال الشوارع فهو الاستغلال الجنسي من طرف أفراد أو مجموعات تستغل ضعفهم لصغر سنهم وعدم قدرتهم علي مواجهة الإساءة الجنسية مما يجعلهم عرضة للإصابة بمرض الإيدز.
أما التأثيرات النفسية السلبية التي يتعرض لها هؤلاء الأطفال ، فهناك سمات رئيسية يكتسبونها من خلال تجربة الشارع تتلخص في الشعور الدائم بالخوف وانعدام الأمن نتيجة الإحباط النفسي ، نظرا لافتقادهم دفء الأسرة و الأمن والأمان ، مما ينتج عنه اضطرابات نفسية تولد لديهم نعرات حب التملك والتشاؤم من المستقبل ورفض الآخر، فيتعاطون المخدرات الرخيصة مثل الحشيش و حبات القرقوبي و أكل الصموغ الصناعية " دلوان " ولاصق الإطارات " سيليسيون " و شرب كحول الحريق والإنارة .....


إنَّ فهم ظاهرة التشرد بالوقوف على المسببات الإجتماعية و الإقتصادية و النفسية أمر مهم ، لكنه يبقى دون جدوى إذا لم تصحبه برامج و مخططات تنبعث من هذا المنطلق لتقترح آليات لإعادة إدماج هذه الفئة

يعتبر البحث عن الأمن من أهم الدوافع النفسية للطفل المشرد ، حيث يضطر لمغادرة محضن الأسرة التي لا توفر له الشعور بالأمن و الأمان ، ولا الحد الأدنى من الرغبات ، فيهجر البيت بحثا عن ظروف جديدة تصطدم بمطاردات رجال الأمن و اعتداء بعض المنحرفين من الكبار، لا سيما المنحرفين جنسيا فيعيد إنتاج - في محاولة منه للدفاع عن نفسه و تأكيد وجوده - عنف مضاد يتمثل في تخويف الآخرين عبر سلوكيات معينة وعنيفة ، محاولا نزع صفة الخوف التي تلازمه.
إن هذه " النزعة المشاغبة و العنيفة " لدى أطفال الشارع بقدر ماهي اضطرابات نفسية بسبب الشعور بالإقصاء والتهميش من طرف الأسرة و المجتمع هي خطاب موجه للآخرين ، بغية الالتفات إليهم و الاعتراف بوجودهم وكأن حالهم يقول : نحن هنا نحن موجودون ..... لكن في ظل لامبالاة الشارع للإشارات التي يوجهونها ، فإن أطفال الشوارع يفقدون كل معاني الانتماء للذات والانتماء إلى المجتمع ، فتنعدم لديهم الثقة بكل الرموز التي حولهم.
هذه العزلة الإجتماعية هي أخطر الأمراض التي تهدد المجتمع المغربي ، وهذا المرض يؤدي إلى انحسار الطفل على نفسه فتتشكل لديه كراهية المجتمع و الحقد عليه و اعتبار الآخرين أعداءا ، مما يولد لديه رغبة في الإنتقام ، فيتحول إلى مجرم أو إرهابي و هذا أسوأ ما يمكن أن يجنيه مجتمع على أبنائه.

الجانب الاجتماعي و تأثيره على نفسية الأطفال المشردين :

يجعل التأثير الاجتماعي الأطفال عرضة للشارع فقد تعرض المجتمع المغربي كغيره من المجتمعات العربية للعديد من التغيرات الاجتماعية والاقتصادية على اختلاف حدتها ، تمثلت في الزيادة السكانية ، وازدياد معدلات الهجرة من البادية إلى المدينة ، وهو ما أفرز ضغطا على الخدمات ، خاصة في المدن الكبيرة مما هيأ بيئة خصبة لإستفحال إشكالية الطفولة المشردة.
ويؤكد الدكتور محمد البكاري اختصاصي في علم النفس قائلا " إن فترة الطفولة لدى الإنسان تشكل مرحلة طويلة انطلاقا من مقولة أحــد الفلاسفة : إن الطفل أب الرجل . و هذا يجرنــا إلى التساؤل :
أين نحن من حق تمتع الطفل بالحماية من جميع أنواع الإهمال و القسوة و الاستغلال ؟ أين نحن من حق حماية الطفل من التشغيل أو أي عمل قد يضر بصحته ؟ وقد يصادر حقه في التعليم ؟ ثم ماهي إستراتيجية المغرب في مجال رعاية الطفل باعتبارها التزام ديني ، وطني ، دولي، و انساني ، و ما هي إستراتيجية الدولة في التنشئة الاجتماعية السوية من حيث هي مسؤولية عامة ، منوط القيام بها من قبل الدولة و الأمة ، وكل الشعب من منطلق التكافل الاجتماعي ؟. "
وفي كل الأحوال عندما نتحدث عن ظاهرة أطفال الشوارع ، لابد أن نبسط أمامنا إشكالية التنشئة الاجتماعية من حيث هي مكون العملية التي يتم من خلالها تشكيل وعي الفرد و مشاعره و سلوكه . أولا مسؤولية الأسرة ، خاصة مهمة الأم في التنشئة الاجتماعية في سنوات الطفولة المبكرة ، تليها مساهمة الأقارب و المعارف و المدرسة و المؤسسة الدينية و الإعلامية في المرحلة المتأخرة.
إذن الأسرة هي "المدرسة الأولى للطفل "، بواسطتها يتم غرس مجموعة من الأنماط و السلوكيات ، والمواقف و المعايير السلوكية في نفسية الطفل ، تتضمن مجموعة من النواهي و الأوامر ، من خلالها يندرج ما يصطلح عليه بحدود الحلال و الحرام و المقبول به و الحشمة .
بالطبع الأبوان هما المصدر المباشر للاتجاهات و الاعتقادات و الأنماط و السلوك ، وهما الأساس التربوي ، إلا أن المجتمع يعج بالأساليب الخاطئة في التنشئة الاجتماعية كالعقاب و الحرمان و الضرب ، أي الاتصاف بالحماية السلطوية المفرطة و التحيز في المعاملات بحسب الجنس و العمر ، الأمر الذي قد يؤدي إلى إفراز ظواهر الخضوع و الانسحاب و الاستسلام و بالتالي التمرد أو الهروب بدل المواجهة.
عجز الأسرة عن تحقيق أمن الطفل ( الغذائي ،الصحي،التربوي، السكني،الترفيهي….) في ممارسة وجوده و كيانه و توفير حقه في اللعب ، كل هذه الأمور بلا شك إذا ما تم حرمانه منها يشكل نقصا و تفريطا في حق من حقوقه ، و تفضي إلى التشرد ومن ثم الإنحراف.

من وجهـــــة النظر الحقوقية

تـــــرى الحقوقية و الناشطة الجمعوية الأستاذة رشيدة بلباه أن هــؤلاء الأطفال الذين يطلق عليهم المشرع اسم الأحداث الجانحين لديهم نصوص قانونية خاصة تحميهم من الضياع و التشرد . إذ هناك فصول في القانون الجنائي تهم الأحداث الجانحين صادق عليها المغرب باعتباره عضوا في المجموعة الدولية، كما صادق على عدة اتفاقيات تهتم بالأطفال بصفة عامة ، و المشردين بصفة خاصة ، إذن فهو ملزم بتحسين أوضاعهم عن طريق تأسيس مؤسسات إصلاحية و اجتماعية تكون تابعة للدولة ، وإحداث جمعيات لرعاية هؤلاء الأطفال و تربيتهم و تعليمهم و تلقينهم الحرف المهنية ، وبالتالي مساعدتهم على الإندماج داخل المجتمع .
تنص المادة 2 من الإتفاقية الدولية لحقوق الطفل التي اعتمدت وعرضت للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 44/25 المؤرخ في 20 نونبر 1989 و تم العمل بها في ثاني شتنبر 1990.
الفصل 1 : تحترم الدول الأطراف الحقوق الموضحة في هذه الاتفاقية وتضمنها لكل طفل يخضع لولايتها دون أي نوع من أنواع التمييز، بغض النظر عن عنصر الطفل أو والديه أو الوصي القانوني عليه أو لونهم أو جنسهم أو لغتهم أو دينهم أو رأيهم السياسي أو غيره أو أصلهم القومي أو الإثني أو الاجتماعي، أو ثروتهم، أو عجزهم، أو مولدهم، أو أي وضع آخر.
الفصل 2 : تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة لتكفل للطفل الحماية من جميع أشكال التمييز أو العقاب القائمة على أساس مركز والدي الطفل أو الأوصياء القانونيين عليه أو أعضاء الأسرة، أو أنشطتهم أو آرائهم المعبر عنها أو معتقداتهم.
كما ينص الفصل 2 من المادة 3 على ما يلي : " تتعهد الدول الأطراف بأن تضمن للطفل الحماية والرعاية اللازمتين لرفاهه، مراعية حقوق وواجبات والديه أو أوصيائه أو غيرهم من الأفراد المسؤولين قانونا عنه، وتتخذ، تحقيقا لهذا الغرض، جميع التدابير التشريعية والإدارية الملائمة."

دور المجتمع المدني في إنقاذ هــذه الطفولة البئيسة ؟

كريمة أبطال

            

 

كريمة أبطال

كريمة أبطال
            
 
إن المتتبع للشأن الجمعــوي بمدينة البوغــاز يرى زخما كبيرا من جمعيات ذات اختصاصات متعددة ، لــكن إذا نظر إلى أرض الواقع فانه سيجد جمعيات على رؤوس الأصابع تهتـــم بالطفولة المشردة .
ومن بين هذه الجمعيات القليلة التي تهتم بالأطفال المشردين منذ سنوات جمعيـة " دارنـا " التي تترأسها السيدة منيرة بوزيد العلمي التي فتحت أبوابها في وجه جميع الأطفال في " وضعية صعبة " كما تفضل أن تسميهم بدل "المشردين" ، مبدية تعاطفا كبيرا مع جيل المستقبل ، لأن الوسط الذي يعيشون فيه لا يضمن ما هو ضروري لأي إنسان في سنهم لكي ينضج، ويكون صالحا ، ويبني مستقبله ، و مستقبل وطنه من غير التفكير في الانتحــــار في البحـــر جريا وراء سراب كاذب .

فلسفة جمعية " دارنـــــا " كما تؤكد السيدة بوزيد العلمي هي :" انه حينما نأتي بالأطفال من الشارع إلى ملجأ الجمعية نبحث و نفكر في شيء نقدمه لهـم يرضون عنه بدون ضغوطــات ، ودون إشعاره بأنه يتلقى الأوامر، بــل نجعله يختــار مــا يريد ، ليعرف بأنه هو الذي يختار و ليس شخص آخــر مكانه" .
" نحاول الاقتراب منهم يوما بعد يوم، وإعطاءهم الإمكانيات التي تساعدهم على مداواة جراحهم، ونزع الخوف عنهم ، الخوف الذي عــاشوه في البيت و المدرسة و الشارع .... نعوض لهم القساوة بالحب و العطف ، وتعليمهم بكل رفق".


هذه الظاهرة مؤلمة و متشعبة، وتتطلب استراتيجية ذات رؤية طويلة المدى ومتضمنة تحديداً لأدوار ومسؤوليات مختلف الأطراف المرتبطة بالظاهرة ( الأسرة - الطفل - المجتمع المدني - السلطات المحلية ) على أساس التعامل مع الظاهرة من منظور اجتماعي إصلاحي وديني وليس من منظور أمني و عقابي

إنهم أذكياء، يتمتعون بمعنويات كبيرة، وأخلاق فاضلة ، تقول السيدة العلمي ، لكن الظروف الصعبة هي التي زجت بهم في الشارع ، فهم يساوون أطفال الدنيا كلها ، ليس لديهم أي مركب نقص يعانون منه ، بل لديهم نقص اهتمام و رعاية ، وهو حق لابد أن تقدمه الدولة لكل مواطن .
و تضيف رئيسة جمعية "دارنـــــا" بطنجــة قائلة : " إن الجمعية لا يمكن أن تحــل مشاكل كل الأطفال المشردين، و في المقابل لا يمكن أن ندعهم عرضة للضياع و نحن نتفرج.....في الجمعية نساهم في تلقين الأطفال بعض الحرف ( النجارة ، الحدادة ، الإعلاميات، التصوير الفوتوغرافي، الرياضيات ،....) وبالطبع القراءة والكتابة ".
و تخلص السيدة بوزيد العلمي بأن الجمعية لديها طموحات كبيرة لكنها تفتقر إلى الموارد المالية الكافية لضمان استمرارية القيام بهذا الواجب الوطنــــي .

 

 

الحلول الممكنة للحد من ظاهرة الأطفال المشردين

ما من شك أن هذه الظاهرة قنبلة موقوتة مهددة بالانفجار في أي لحظة ، إذا لم يتم تدارك الوضع في أسرع وقت ممكن ، لما لذلك من انعكاسات خطيرة وقوية على المقومات الإجتماعية للمجتمع المغربي ، تستهدف بنية الأسرة وتهدد قيم المساواة و الحق في الحياة الكريمة .
إنَّ فهم ظاهرة التشرد بالوقوف على المسببات الإجتماعية و الإقتصادية و النفسية أمر مهم ، لكنه يبقى دون جدوى إذا لم تصحبه برامج و مخططات تنبعث من هذا المنطلق لتقترح آليات لإعادة إدماج هذه الفئة ، يمكن إجمالها في ثلاث مستويات : آليات تشريعية، وآليات اجتماعية ، وأخرى تربوية تكوينية تتكامل ضمن استراتيجية وطنية جدية لتصحيح وضع المجتمع المغربي.
إن المدخل الصحيح لأي إستراتيجية لحل هذه المشكلة ، كما يؤكد كثير من المختصين ، يقتضي الاعتراف أولاً بحقوق الطفل ، والعمل على كفالة هذه الحقوق لجميع الأطفال سيما و أن معاناة أطفال الشوارع تعد انتهاكاً صريحاً لجميع الحقوق الإنسانية للطفل .

إن أي مقاربة لحل هذه الإشكالية لا بد أن ترتكز على شقين أساسين :
1 - شق مرتبط بسياسة علاجية آنية ومرحلية تعتمد على :
- تطوير وتحسين أساليب الاتصال المباشر وتقديم خدمات الاحتضان العاجلة لأطفال الشوارع .
- تفعيل القوانين المتعلقة بحقوق الطفل .
- ضرورة حماية الأطفال الموجودين في الشارع من المخاطر التي يتعرضون لها ومحاولة إرجاعهم إلى أسرهم ، أو تشجيعهم على ارتياد المؤسسات الاجتماعية في حالة عدم التمكن من إعادتهم إلى أسرهم أو لأسر بديلة.
- قيام مجموعة من الأطباء المتطوعين بدوريات لأماكن تجمعهم للكشف عليهم وتوعيتهم صحياً وإعطاءهم بعض الأدوية.
- إنشاء مراكز لتلقي شكاوي أطفال الشوارع في حال تعرضهم للإيذاء أو الاستغلال الجنسي أو غيره ، وتعريفهم بها وتشجيعهم على اللجوء إليها.
- تخصيص فضاء عام وحر للمبيت لمن يرفض المبيت في مراكز الاحتضان ، وهم كثر ، بدل تركهم ينامون في العراء.
- التدخل لدى الأسر والأوساط المهددة من أجل منع انتشار هروب الأطفال وتشردهم في الشارع عبر تقديم مساعدات مادية و إرشادية و قانونية .
2- شق مرتبط بسياسة وضع خطط متوسطة وبعيدة المدى تشارك فيها مؤسسات الدولة بجانب مؤسسات المجتمع المدني لجث أسباب الظاهرة والعوامل المرتبطة بنموها وتطويرها ، وهذا لا يكون إلا عن طريق رؤية شمولية للإصلاح ، ذاك أن الحلول الحكومية المطروحة حتى الآن أغلبها تعالج النتائج وليس أسباب المشكلة فضلا أن التعامل مع الظاهرة من منطلق أمني وإخفاء مظاهر التشرد لا يحل المعضلة بل يؤجج من حدتها ، بل يفترض في المقابل :
- معالجة مشكل الهدر المدرسي خاصة بين الأوساط الفقيرة باعتباره من بين أهم أسباب الظاهرة.
- معالجة المشاكل الاجتماعية المرتبطة مباشرة بالظاهرة مثل : مشكل العنف الأسري ، الطلاق.... ووضع خطة اجتماعية و آليات فعالة لتفادي تفكك الأسر الفقيرة.
- تطوير البرامج الاجتماعية لمكافحة الفقر، و تعميم التغطية الاجتماعية خاصة للأسر الضعيفة و أصحاب الدخل المحدود .
- إنشاء مراكز تأهيل مهنية ونفسية واجتماعية للأطفال خاصة في الأحياء الفقيرة والهامشية و التأكيد على الجانب المهني ( تعلم حرف ومهن حرة....) إذ يعتبر الوسيلة الأنجع لإعادة إدماج الأطفال المشردين في الحياة الاجتماعية كما أكدت على ذلك عدة دراسات.
- إنشاء مراكز جديدة لحماية الطفولة تعتمد رؤية جديدة في استقبال الأطفال ، بالإضافة إلى تحسين الخدمات المقدمة لهم لكي لا يهربوا منها كما هو الحال في كثير من هذه المراكز.
- تفعيل دور الإعلام الوطني : تنبيه الرأي العام لخطورة الظاهرة و ضرورة معالجتها .
- إشراك شبكة من مؤسسات المجتمع المدني في عملية احتضان هؤلاء الأطفال .

إن ظاهرة أطفال الشوارع بمدينة طنجة ، و باقي المدن المغربية عموما ، تستفحل باضطراد خطير للغاية مما وجب معه دق ناقوس الخطر حتى يتحمل الجميع مسؤولياتهم . و الأكيد في الموضوع أنه لا يمكن إجمالا الرهان على المجتمع المدني لكسب هذا التحدي ، لأن المجهودات التي يقدمها تبقى محدودة بالنظر إلى حجم الظاهرة وتطورها السريع ، خاصة في الأحياء الفقيرة والهامشية ، الأمر الذي يستدعي أن تتحمل الدولة مسؤولياتها في هذا المجال عبر تحسين المستوى الإجتماعي لشريحة عريضة من المواطنين الذين يعيشون تحت عتبة الفقر ، فضلا عن توفير مؤسسات ذات استقرار وظيفي لإحتضان هؤلاء الأطفال البؤساء الذين لفظهم المجتمع ، و يا ليتنا نعمل بقول الشاعر العربي :

إنـــما أولادنا بـيننا

أكبادنا تمشي على الأرض
لو هبت ريح على بعضهم
امتنعت عيني عن الغمض
   

إخراج : خالد اشطيبات

تاريخ النشر : 25 ماي 2008

 

 

 
               
33Avenue le prince Moulay Abdellah Tanger - Tel : 05.39.32.16.80/81 Fax : 05.39.94.61.26      رقم ، شارع الامير مولاي عبد الله طنجة  الهاتف 05.39.32.16.80/81 
                                               جميع الحقوق محفوظة ©
                                         webmaster : Rachid El Idrissi  contact : radiostation@menara.ma